كنتُ أُشارك في حلقة نقاش حول القراءة، حيث انبرى شابٌّ تظهر عليه سمات الجِد والاجتِهاد، وتحدث عن أهمية القراءة وعن تقصيرنا فيها، وأنه من الواجب على كلِّ شخصٍ منا أن يقرأَ كتابَين كل شهر على الأقل، وهنا تدخلتُ وأعلنت أمام الحاضرين أنَني ضد القِراءة، وأن نصيحتِي هي: لا تقرأ!
ثمَّ سارعت إلى توضيح الأمر، فما عنيتُه هو قناعتي بخطأ طريقة قراءة الكِتاب من الغلاف إلى الغلاف، وأنْ أحدّد كتابًا أو اثنين أو ثلاثة لقراءتِهما كل شهر، آخرَ مرة فعلتُ ذلك كان منذ سنوات؛ إذْ لا أعتقد أن هذه طريقة صحيحة لبناء شخصيَّة علمية متميزة، تُساهم في رفْع مستوى الأمة وحل مشكلاتها.
يعتقِد بعضُ النَّاس أن القراءة هدف، ويَعتبر الشخص نفسه منتصرًا عندما يقرأ، ولا أظن أنَّ هذا صحيح بشكل كامل، فهذا شعور مضلّل، فالقراءة الصحيحة والمفيدة هي القراءة الَّتي نتَّخذها كوسيلة للوصول إلى غاية يجب أن تكون واضحة لنا، إذا لم توصلك إلى تلك الغاية فلن يكون للقراءة مكسبٌ واضح.
لذا؛ أنا لا أنصح بقِراءة كتاب، بل بقراءة موضوع.
عندما ألاحظ أمرًا من حولي أو أستشعر حاجة لدى الناس وأعزم على الخوض فيها، أَعود إلى الإنترنت، أو أذهب إلى مكتبة عامة أو أشتري مجموعة من الكتب وأقرأ في هذا الموضوع بشكْلٍ مكثَّف، وأمزجه بِخبرتي وأفكاري، وأخرج منه بفكرة على شكلِ مقالٍ أو كتاب مفيد، أعتقِد أنَّ هذه الطريقة هي التي قد تُعطي نتيجة قيِّمة.
دعني أضرب لك مثلاً: عندما أريد البحث في موضوع الثقة بالنفس، فأنا لست مضطراً لقراءة كتاب عن الثِّقة بالنفس قد يستغرِق مني أسبوعًا؛ بل أقوم بصرْف الجزْء الأهم من الوقت في التَّأمل في الموضوع، وفهم أبعاده وما يدور في أذهان الناس عنه، ثم أجلِب عدة كتُب في هذا المجال، وأجمع عدة مقالات عنْه، وأقوم بتصفحها وأنا أبحث عن إجابات معينة لأسئِلة وضعتها في ذهني عن هذا الموضوع، وأستكشف أي أفكار جديدة حوله لا أعرفها من قبل، وبالتالي، وخلال أسبوع، أقوم بتغطِيته بشكل جيد؛ إذْ لا أتوقع أن كاتبًا يقوم بتغطية كاملة للموضوع في كتاب واحد، بيْنما خرجت بِهذه الطريقة بحصيلة ممتازة عنه.
لا بد أن أعترف بأن هناك كتباً تستحق القِراءة بالكامل؛ لأنها كتب عظيمة وشاملة أو مرجعية في تخصصك، ولكنَّها تبقى كتباً محدودة وهذه لها وضعية خاصة.
لقد تعلَّمت من والدي – الدكتور عبد الكريم بكار حفظه الله – قاعدةً، كانت محور تغْيير في حياتي، حين قال لي يوماً: (أفضل وسيلة للقراءة هي الكتابة)
الكتابة تفتح لك آفاقاً واسعة وتُثير الكثيرَ من الأسئلة، وتضَع أمامك تحدِّيًا للإجابة عليها، وهُنا ستكون مضطرًّا لبذْل جهْدٍ فكْري هائل، وبذْل جهد في البحْث عمَّا طرحه الآخرون من تَجاربَ وأفكارٍ، والنَّتيجة بناء خلفيَّة علميَّة قويَّة حول ما تنوي الكتابة عنه، ويومًا بعد يوم ستجِد أنَّك نجحت في تكوين بنية ثقافية وعلمية مميوة. والله تعالى أعلم.