كنت أحاضر يوماً في إحدى الجامعات السعودية، فقام أحد الطلاب وقال: يا دكتور انت تضيع وقتك.. كل ما تقوله حول مهارات البحث عن عمل وطرقه ليس له قيمة.. الأمر المهم هو وجود الواسطة.. إذا عندك واسطة فأمورك بخير وستحصل على وظيفة.. وإذا لم يكن لديك واسطة فستعاني وتعاني دون فائدة. قلت له مسرعاً: صدقت.. من يستطيع أن ينكر دور الواسطة.. لكن سؤالي لك: لماذا لا تمتلك أنت واسطة؟!
الواسطة تعني أن هناك شخص متنفذ أو مقدّر يقدم لك مساعدة في الحصول على أمر ما دون مقابل ظاهر! لماذا يقوم بذلك؟ هناك سببين لا ثالث لهما: إما بسبب قرابة الدم والرحم كأن يساعدك خالك، المدير العام لشركة ما، في الحصول على وظيفة في تلك الشركة أو شركة لصديق له. والسبب الثاني هو أن يحمل الشخص المتنفذ انطباعا إيجابياً عنك ولذا فهو متحمس لتقديم المساعدة، أو الاستفادة منك أو تسهيل استفادة صديق منك.
وهنا يأتي السؤال: كيف أجعل شخص أو أكثر من المتنفذين أو أصحاب العلاقات في مجالي المهني، كيف أجعلهم يحملون انطباع إيجابي عني؟ هذا يأتي عن طريق الوصول إلى ذلك الشخص وإيصال الرسالة المناسبة لتحقيق هذا الغرض.
في علم الإرشاد المهني، هناك تأكيد مستمر على أهمية العلاقات في التطوير المهني. ويطلقون على ذلك مصطلح ال (Networking) والذي ترجمناه إلى كلمة (التشبيك). نقصد بالتشبيك العمل على بناء شبكة من العلاقات الداعمة في مجال تخصصك مع الزملاء والمدراء والخبراء وكل من له علاقة بمهنتك من أجل تحقيق الخطوة التالية وهي إيصال رسالة إيجابية عنك وترك انطباع إيجابي عنك.
عندما نتحدث عن مد العلاقات والتشبيك فنحن لا نقصد بناء علاقات صداقة مع الآخرين، أي أن تصل إلى مرحلة ان تخرج معهم وتزورهم ويزورك.. لا أبداً ليس هذا المقصود.. بل نقصد أن تعرفهم ويعرفوك ويحملون عنك انطباع إيجابي ويعرفون ما تود أن يعرفوه عنك وعن أهدافك وما تسعى للوصول إليه سواءً وظيفة، أو فرصة تدريب أو بدء مشروع استثماري أو غير ذلك
صحيح أن هناك أشخاص منحهم الله عز وجل موهبة في مد العلاقات مع الآخرين.. لكن حتى لو لم تكن من هؤلاء الموهوبين – مثلي – فهذا لا يعني أنك لن تكون قادراً على بناء شبكة العلاقات المهنية، المهم أن تعرف أن هذا لا يأتي بالصدفة أو بالممارسة والخطأ بل هي مهارة لها أدوات وخطوات محددة يجب أن تتبعها بالتفصيل حتى تنجح فيها.
لماذا التشبيك؟
هناك عدة اهداف من قيامك بالتشبيك.. ومن أهمها:
- الحصول على معلومات ونصائح حول المجال الذي تود الالتحاق فيه أو تطوير نفسك فيه (اقرأ هنا عن المقابلة الاستكشافية)
- المساعدة في ربطك مع أشخاص آخرين (Enoresment)
- الحصول على تدريب
- مراجعة السيرة الذاتية
- إخبارك بأي وظيفة قادمة في شركته
- الحصول على وظيفة
أين ومتى أقوم بالتشبيك؟
ببساطة فيي كل مكان.. في الطائرة والمطعم وعند ركوب المصعد وفي كل مكان تقابل أشخاص محترفين وتتاح فرصة للتواصل والتعارف (البعض يكون مزعجا من كثرة التعريف بنفسه وفي أماكن وأوقات غير مناسبة.. هذا ما لا ننصح به!)
المكان الأمثل للتشبيك هو في الملتقيات والمؤتمرات العلمية. هناك الكل مهيأ لذلك فلا تتردد في استغلال هذه الفرصة
هل قرأت: (المؤتمرات العلمية)
هناك شرط أساسي لقيامك بالتشبيك هو عندما يكون مسارك المهني واضحا إلى حد كبير. لا يمكن ان تقوم بالتشبيك لتقول للناس: (انا ادرس تخصص اللغة الإنجليزية ولا أدري بصراحة إلى أي مهنة سأمضي.. ما رأيك؟!) أو (أواجه صعبات في عملي الحالي وأفكر الانتقال إلى مهنة مرغوبة في سوق العمل.. ما رأيك؟!) هذا كلام غير محترف!
“مقولة:
ليس المهم ماذا تعرف! بل المهم من تعرف.. ومن يعرف من تعرف“
خطوات التشبيك:
- حدد هدفك المهني.. ما المسار المهني أو المهنة التي أسعى إلى العمل فيها في المستقبل. لأن هذا الوضوح هو الذي سيساعدك على اختيار الأشخاص المناسبين لمد العلاقات معهم و(تشبيكهم)
دعاية برنامج حدد مسارك
- جهز نفسك
وذلك يشمل أن تقوم بإعداد (حديث المصعد) الخصا بك.. وحديث المصعد هو كناية عن تعريف سريع بك لا يزيد عن 60 ثانية (فترة ركوب المصعد وحديثك مع شخص ما). يشمل حديث المصعد الأمور التالية:
- من أنت؟
- ما الشهادات التي تدرسها أو حصلت عليها؟
- ما الخبرات والمهارات التي تمتلكها
- ما المهنة أو الدور الذي تبحث عنه (وظيفة، تدريب، مقابلة استكشافية، ..)
- لماذا أنت مهتم بالتواصل مع هذه الشركة أو صاحب العمل هذا
خذ هذا المثال لما قام به (محمد).. محمد خريج حديث من قسم التسويق، وفي أحد المؤتمرات قابل المدير التنفيذي لشركة تسويق عقاري مميز بشكل سريع وهنا حدثه بـ (حديث المصعد) الذي سبق أن جهزه:
“اسمي محمد .. تخرجت هذه السنة من تخصص التسويق ومتحمس للعمل في مجال تسويق العقار لأنني أحب هذا المجال ولدي خبرة فيه وأفهم تفاصيله بشكل ممتاز. لدي مهارات جيدة في التواصل والإقناع، وأبحث عن فرصة تدريب في هذا المجال. أعلم أن شركتكم رائدة في هذا المجال .. فهل تعرف أحداً يمكنه المساعدة؟”
لاحظ أنه لم يطلب وظيفة (مع أنه بحاجة إليها.. لأن طلب الوظيفة قد يسبب إزعاجاً للطرف الاخر ولمنه طلب فرصة تدريب وهناك – إذا أثبت نفسه – فسيحصل على وظيفة في معظم الأحيان.
من جهة أخرى، كما يجب أن تجهز بروفايل خاص بك، ونقصد بذلك: (سيرة ذاتية – ملخص لينكدان – تعريف تويتر – بروفايل تصميم – ..) يعكس حقيقة توجهك والماركة (البراند) المهني الخاص بك
- حدد مع من ستقوم بالتشبيك وطرق التواصل معه.. ضع قائمة بمن ستقوم بالتشبيك معهم.. ولتبدأ بـ :
- معارفك أولاً (أسرة – أصدقاء – جيران – معارف قديمة – ..)
- خريجو نفس الجامعة أو المعهد (اسأل مكتب الخريجين)
- أشخاص لديهم شبكة معارف واسعة
- موظفون في شركات مستهدفة
- الأشخاص المؤثرون في القطاع الذي تود الإنضمام له
- ابدأ التواصل مع الأشخاص المحددين
- ابحث عن أي علاقة مشتركة مع الشخص المستهدف (على اللينكدان أو على أرض الواقع)
- اطلب من الشخص المشترك المساعدة في الربط والتشبيك
- تواصل مع الشخص المستهدف .. وقدم نفسك
- تابع تحركاتهم .. المؤتمرات التي سيحضرونها.. المواقع التي يكتبون فيها.. نشاطاتهم العامة .. احضرها .. تواصل عبر خطاب المصعد.. اشكرهم .. وفي أي فرصة اطلب لقاء للنصيحة
- تابع حسابتهم على التواصل الاجتماعي.. علق.. أشكر.. شارك.. لا تتذاكى أو تعترض أو تحاول إظهار المعرفة
- المتابعة:
- من الأمور الأساسية للاستفادة من العلاقات والحفاظ عليها لفترات طويلة هي المتابعة..
- ارسل رسالة شكر بعد اللقاء
- سجل اسمه في قائمة المعارف .. احتفظ بهذه القائمة قريبة منك للعودة إليها
- المتابعة في أي اتفاق وصلتم له
- حافظ على العلاقة حتى بعد تحقيق هدفك عبر معايدة أو ثناء على إنجاز قام به أو حتى إخباره بأي جديد لديك بالشكل المناسب.
القاعدة الذهبية
نحن لا ننجح لوحدنا بدون مساعدة الآخرين..
فقط اطلب الطلب المناسب من الشخص المناسب في الوقت المناسب بالطريقة المناسبة
ختاماً: لنتذكر أن القيام بالتشبيك ليس بالأمر السهل.. ولو كان سهلا لما عاد مميزاً..! لكنه يتأثر بشكل كبير بالتدريب والممارسة وقبول الفشل مرات ومرات. أتمنى لك كل التوفيق